Wednesday, May 28, 2008

التنبيه الى عقيدة التنزي

الحمدلله الذي لا تخالطه الظنون ولا يصفه الواصفون لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأرض اللهم عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسلم تسليما كثيرا .
وكن أشعريا في اعتقادك إنه ***هو المنهل الصافي عن الزيغ والنكر.
أعلموا وفقكم الله للصواب أن معتقد الإمام أبي الحسن الأشعري ومن جاء بعده من السادة الأشاعرة وهم جمهور أهل السنة والجماعة المتبعين للمذاهب الأربعة( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة),مذهبا متوسطا في الإعتقاد على وصف التنزيه فقد جاء بين فرث ودم لبنا سائغا لذة للشاربين فما أفرطوا كالمجسمة الذين اتبعوا المتشابه وأخذوا بظواهر النصوص حتى شبهوا الخالق بخلقه ,وما فرطوا كالجهمية والمعطلة في نفي ما وصف الله به نفسه كالسمع والبصر, وقد قال الإمام السبكي رحمه الله : (اعلم أن أبا الحسن الأشعري لم يبتدع رأيا ولم ينشيء مذهبا إنما هو مقرر لمذاهب السلف مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالإنتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدى به في ذلك ,فالسالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريا) . وهذا المذهب قائم على تنزيه الله تعالى عن صفات الحدوث وإثبات ما وصف الله به نفسه من صفات الكمال ,ورد المتشابه إلى المحكم مع التنزيه وعدم التعطيل والتشبيه,واعلم وفقك الله إلى سبيل أهل الحق أن مذهب أهل السنة والجماعة اتجاه الأخبار المتشابه أو مايسمى بآيات الصفات على مذهبين لاثالث لهما وهما :1-مذهب أهل التفويض وهو التوقف في صفات الممايزة الموهمة للتبعيض ,أي التي تطلق في اللغة على الجارحة كاليد والقدم والوجه والعين ,ومعنى التوقف عدم الإدلاء فيها بمعنى لانفيا ولا إثباتا , دليل مذهب التفويض قول الله تعالى :{وما يعلم تأويله إلا الله},وقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم((وإنما كتاب الله عزوجل يصدق بعضه بعضا,فلا تكذبوا بعضه ببعض,فما علمتم منه فقولوه,وما جهلتم فكلوه إلا عالمه)) رواه أحمد 2/195 وابن ماجه 1/33 ووالبغوي في شرح السنة 1/260 وهوحديث صحيح,ولا شك أن السلف كانوا يفوضون الكيف والمعنى وهو المراد بالتفويض عند إطلاقه بلا شك,لا كما يدعيه البعض أنه في الكيف لافي المعنى . 2- مذهب التأويل فيعني إرجاع هذه الصفات إلى لوازمها فاليد ترجع إلى القدرة والعين ترجع إلى البصر ,والوجه يرجع إلى الذات والوجود,ولعل ما يؤيد هذا المسلك, الحديث القدسي :[الكبرياء ردائي والعظمة إزاري]..قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره 1/144 : (فجعل الكبرياء قائما مقام الرداء والعظمة قائمة مقام الإزار),والتأويل مذكور في القرآن على معنى البيان والتفسير في آيات كثيرة منها قوله تعالى:{سأنبئك بتأويل مالم تستطع عليه صبرا},{ولنعلمه من تأويل الأحاديث},قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات القسم الثاني ص15 ( أما التأويل:فقال العلماء: صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله أوجبه برهان قطعي في القطعيات وظني في الظنيات وقيل هو التصرف في اللفظ بما يكشف عن مقصوده وأما التفسير فهو بيان معنى اللفظة القريبة أو الخفية)وقال الراغب في المفردات ص31 عن التأويل(وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا ففي العلم قوله تعالى:{وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}…
وقد أفضنا الكلام في إثبات التفويض والتأويل عند السلف في (النقول الصريحة في ثبوت تفويض السلف وتأويلهم بالأسانيد الصحيحة) راجعه للفائدة. وإليك نقول بعض العلماء الذين ينقلون مذهب السلف اتجاه آيات الصفات:1-الإمام النووي في المجموع 1/46 باب أقسام العلم الشرعي ،فرع:إختلفوا في آيات الصفات وأخبارها : هل يخاض فيها بالتأويل , أم لا ؟ فقال قائلون : تتأول على ما يليق بها , وهذا أشهر المذهبيين للمتكلمين . وآخرون : لاتتأول بل يمسك عن الكلام في معناها , ويوكل علمها إلى الله تعالى . ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى , وانتفاء صفات الحادث عنه . فيقال مثلا : نؤمن بأن الرحمن على العرش إستوى ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به , مع أنا نعتقد أن الله تعالى ( ليس كمثله شيء ) وأنه منزه عن الحلول وسمات الحوادث , وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم, وهي أسلم , إذ لا يطالب الإنسان بالخوض في ذلك ,فإذا اعتقد التنزيه فلا إلى الخوض في ذلك والخاطرة فيما لا ضرورة بل لاحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى التأويل لرد مبتدع ونحوه تأولوا حينئذ , وعلى هذا يحمل ما جاء عن العلماء في هذا, والله أعلم .2- وقال أيضا في شرحه على صحيح مسلم 3/19 : ( اعلم أن لأهل في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين ,أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها , بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسيم والإنتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم,والقول الثاني : وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها ,وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم ),3-وقال أيضا في 5/24 في كلامه عن حديث الجارية: ( هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيهما مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان ,أحدهما الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات, والثاني تأويله بما يليق به).4-ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قي الفتح 13/183 فقال: قال الإمام ابن دقيق العيدرحمه الله في العقيدة نقول في الصفات المشكلة إنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله ومن تأولها نظرنا فإن كان تأويله قريبا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه وإن بعيدا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه وما كان منها معناه ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب حملناه عليه كقوله تعالى :{ياحسرتى على ما فرطت في جنب الله}, 5-وقال الحافظ أيضا في كلامه على النصوص التي يوهم ظاهرها التشبيه كما في الفتح 13/432 (فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها وإما أن يكذب نقلتها إما أن يؤولها..),6-وقال أيضا في الفتح 1/225 (وفيه دليل أيضا على أن المتشابه لا ينبغي لأن يذكر عند العامة … وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب.والله أعلم).7-وقال الإمام الشوكاني في كتابه ارشاد الفحول ص155 : [الفصل الثاني :فيما يدخله التأويل وهو قسمان أحدهما : أغلب الفروع ولاخلاف في ذلك والثاني : الأصول كالعقائد وأصول الديانات وصفات الباري عزوجل ,وقد اختلفوا في هذا القسم على ثلاثة مذاهب (الأول)أنه لا مدخل للتأويل فيها يجري على ظاهرها ولا يؤول شيء منها وهذا قول المشبهة ,(والثاني) أن لها تأويلها ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن مع تنزيه اعتقادنا عن التشبيه والتعطيل لقوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله } قال ابن برهان وهذا قول السلف (قلت)وهذا هو الطريقة الواضحة والمنهج المصحوب بالسلامة في الوقوع عن مهاوي التأويل لما لا يعلم تأويله إلا الله وكفى بالسلف الصالح قدوة لمن أراد الإقتداء وأسوة لمن أحب التأسي على تقدير عدم ورود الدليل القاضي بالمنع من ذلك فكيف وهو قائم موجود في الكتاب والسنة (والمذهب الثالث)أنها مؤولة ,قال ابن برهان :والأول من هذه المذاهب باطل والآخران منقولان عن الصحابة ونقل هذا المذهب الثالث عن علي وابن مسعود وابن عباس وأم سلمة] ا.هـ من كلام الشوكاني .وفي هذا النقل كفاية للعاقل المتبصر لأمر دينه الحريص على معرفة الحق والمجانب للهوى والتعصب المذموم المؤدي إلي الوقوع في أعراض الأئمة وجمهور الأمة, وخلاصة مذهب السلف والخلف في التأويل:
1-
ثبت أن الأخبار الإضافية الموهمة هي المتشابه الذي استأثر الله بعلم معناه الحقيقي .
2-
ثبت أن التأويل ليس بواجب إلا عند ضرورة دفع شبه التشبيه .
3-
ثبت أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أولوا تأويلا يليق بجلال الله تعالى حيث نزهوا الله عزوجل فلم يحملوا اللفظ على ظاهره ,ولم يجزموا بالمعنى المراد ,وكان ذلك منهم قليلا .
4-
ثبت أن مذهب الخلف هو عين مذهب السلف في التفويض والتأويل .
5-
ثبت أن السلف والخلف اتفقوا على تنزيه الله تعالى عن الكيف وأن المعنى الظاهر غير مراد .
**
وأما عبارة (إن طريق السلف أسلم و طريق الخلف أعلم) فهي غير دقيقة حيث تبين بعد التحقيق ليس هناك مذهب سلف وخلف بهذا المعنى بل أن التفويض والتأويل مذهبان عند السلف والخلف إلا أن التفويض اتسعت دائرته عند السلف وضاقت عند الخلف والعكس بالنسبة للتأويل وذلك لأسباب فرضت نفسها منها :
1-
اتساع الفتوحات الإسلامية ودخول كثير من المجتمعات غير العربية في الإسلام .
2-
كثرة الإختلافات الكلامية التي أوجدها الواقع .
3-
بعد مجتمع الخلف عن التنزيل .
4-
ظهور مستجدات جديدة لتلاحم الأفكار والآراء مع الشعوب الأخرى .
وفي الختام نسأل الله العلي القدير ونتوسل إليه بسيدنا محمد البشير النذير-صلى الله عليه وآله وسلم- أن يوفقنا إلى اتباع الحق ,وأن يحشرنا في زمرة أهل الحق مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ,,أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ,وأن يوفقنا لخدمة هذا الدين ونصرته, وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين..
آمنا بالله ,وبما جاء عن الله على مراد الله وعلى مراد رسول الله من غير تشبيه ولاتكييف ولا تعطيل
}

No comments: